النص السماعي لعبة الشطرنج pdf

كُنْتُ أُلاعِبُ الْجِهَازَ أَوَّلَ دَوْرِ شَطْرَنْجِ، وَأَشْعُرُ أَنَّهُ يَتَبَاطَأُ بَعْدَ خَسَارَةِ أَيْ قِطْعَةٍ، أَمَّا لَعِبِي مَعَ أَصْدِقَانِي الْهُوَاةِ فَكُنْتُ أَخْرُجُ مِنَ الْمَازِقِ بِفَضْلِ تِلْكَ اللُّعْبَةِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي نَتَبَادَلُهَا مَعَ مَنْ نَلْعَبُ مَعَهُمْ، أَوْ مِمَّنْ يَتَفَرَّجونَ عَلى جَوْلَتِنَا ، لَكِنْ لُعْبَةَ الشَّطْرَنْحِ مَعَ الْجِهَازِ كَانَ لَهَا طَعْمُ خاص، خالٍ مِنَ الْخَوَاطِرِ وَالأحاسيس ، كُنْتُ أَواصِلُ اللَّعِب مَعَهُ مُتَحَامِلاً عَلَى نَفْسِي ، وَقَائِلاً لَهَا فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ : إِنَّهُ مُجَرَّدُ لُعْبَةٍ مِنْ بَيْنِ مِناتِ اللُّعَبِ الْأُخْرَى، وَإِنْ كُنْتُ أَهْوَاهَا وَأَعْشَقُهَا وَأُمَارِسُ فِيها بَرَاعَتي في تَحْرِيكِ الْقِطْعِ عَلى اللُّوْحٍ ، لأحَاصِرَ مَلِكَ الصّومِ أَوْ لِأَحَصِّنَ الدِّفَاعَ عَنْ مَليكي .

كُنتُ مُغْرَماً بِجَمْعِ الْأخبارِ مِنْ أَصْدِقائي الَّذِينَ كانوا يُمارسونَ نَفْسَ الْهِوَايَةِ عَلَى هَذَا الْجِهَازِ فِي بُيوتِهِمْ ، وَكَانَ يَزِيدُ مِنْ نَشاطي أنّي كُلّما جَلَسْتُ لِلْعِبِ مَعَهُ أَحْسَسْتُ بِأَنِّي أُوشِكُ عَلَى الْقَوْزِ عَلَيْهِ، فَأَبَرْهِنُ لِأطْفَالِي وَلِنَفْسي أَنَّني ما زِلْتُ كَمَا كُنتُ لاعِبَ الشَّطْرَنْجِ عَارِفاً بِقَوَانِينِ اللَّعْبَةِ، وَقادِراً عَلَى الانْتِصارِ، إِنَّها هوايتي الْوَحيدَةُ أَنْتَشي بها عِنْدَمَا أَرْبَحُ الْجَوْلَةَ وَأَصْبِرُ إِذَا مَا خَسِرْتُها.

كانَ عِنادِي يَرْكَبُ رَأْسي وَيَدْفَعُني دَفْعاً لِمُواصَلَةِ اللعِبِ حَتَّى لَوِ اعْتَذَرَ مَنْ يُلاعِبُنِي بِشَتّى الْأَعْدَارِ ، وَحَاوَلَ زَمِيلَ لَهُ أَوْ صَدِيقٌ أَنْ يَتَطَوَّعَ لِمُلاعَبَنِي بَدَلَا عَنْهُ ؛ كُنْتُ أَرْقُضُ بِشِدَّةٍ ، وَأُصِرُّ عَلَى إِجْبَارِهِ لِيُعاوِدَ اللَّعِبَ، وَأَرَغَبُهُ فِي الانْتِصَارِ عَلَيَّ؛ وَكَانَ الْأَمْرُ يَصِلُ أَحْيَانًاً إِلَى الْمُشاحَنَاتِ بِأَصْواتِ مُرْتَفِعَةٍ كُنْتُ أَشْعُرُ بِالنَّشْوَةِ، وَأَحْزِمُ أَمْرِي عَازِماً عَلَى تَعْوِيضِ خَسَارَتي عِنْدَ بَدْهِ الدَّوْرِ الْجَدِيدِ، وَقَدْ تَزَايَدَ عَدَدُ الْمُشَاهِدِينَ.

كُنْتُ أَشْعُرُ أَنِّي صِرْتُ مَسْؤولاً أمامَ نَفْسِي ، وَأَمامَ أصْدِقائي ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ أَنْتَصِرَ مُسْتَجْمِعاً قُدراتي وتواريخ انتصاراتي السَّابِقَةِ، فَأَنْتَوِي الْقَوْزَ عَلى خَصْمِي بِنَحْوِ مُبَاغِثٍ يَسْتَفِزُّهُ، وَيَدْعُوهُ لِيُطَالَبَتِي بِمُلاعَبَتِهِ دَوْراً جديداً واهِما أَنَّهُ سَوْفَ يَحْسِمُ الْأَمْرَ لِمَصْلَحَتِهِ، وَلَكِنَّهُ فِي غالب الحالات كانَ يَخْسِرُ ، وَأَسْتَعيدُ أنا ثقتي بِنَفْسي بَعْدَ أَنِ اهْتَزَّتْ سابقاً .

 أحمد الشيخ لعبة الصحو "قصة" العربي عدد 2004/546 م . 126 -129 بتصرف