النص السماعي منزلنا الجديد pdf

كانَ الْمَنْزِلُ الْجَدِيدُ الَّذِي سَكَتَاهُ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ مَنْزِلِ أَمْرَةٍ طَيِّبَةٍ تَعَرَّفْنَا إِلَيْهَا حِينَ وُصولِنَا إِلَى هَذِهِ الْمَدِينَةِ، لِذلِكَ، لَمْ أَعُدْ فِي حَاجَةٍ إِلَى أَحَدٍ إِذَا أَنَا أَرَدْتُ أَنْ أَرَورَهُمْ فَنَحْنُ جَمِيعاً نَسْكُنَ الشَّارِعَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ عَلَيَّ سِوَى أَنْ أَقْطَعَ الشَّارِعَ؛ لِأَصِلَ إِلَى مَنْزِلِهِمْ.

سرعان ما تَرَعْرَعْتُ، وَبَدَأَتِ الْحَياةُ تَفَتَّحُ أَمامِي فَلَمْ تَعُدْ مَحْدودَةً، كَمَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ، فِي بِضْعِ غُرَفٍ وَحَدِيقَةٍ، وَإِنَّمَا اتَّسَعَتْ، وَبَدَأْتُ أَتَعَرَّفُ إِلَى الْعَالَمِ الواسع. إِنَّسَعَتْ حَياتِي بِشَكلٍ جَعَلَنِي أَتَعَطَّشُ إِلَى مُتَابَعَتِهَا، وَاكْتِشَافِ كُلِّ مَا كُنْتُ لَا أَعْرِفُهُ مِنْها..

كَثِيراً ما كانَتْ صَدِيقتي (ميللي) تُقْبِلُ عَلَيَّ، وَتُخْبِرُنِي بِأَنَا سَتَخْرُجُ ، فَعَلَيَّ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى أَبِي لِيُزَوْدَنِي بِالنُّعُودِ، فَأَذْهَبُ إِلَيْهِ وَأَطْلُبُ مِنْهُ ذَلِكَ.. كُنَا نَذْهَبُ إِلَى الْمَسْرَحِ، أَنا وَأُمّي وَ(ميللي)، وهُناكَ كُنتُ أَشاهِدُ عُروضَ فَتَيَاتٍ تَتَحَرَّكُ صُفُوفُهُنَّ بِحَرَكَةٍ واحِدَةٍ مَعَ الْأَلْحانِ الرّاقِصَةِ؛ فَيَتَنَاثَرْنَ تَارَةً، ثُمَّ يَجْتَمِعْنَ تَارَةً أُخْرَى..

لا يعني هذا أني كُنْتُ أَطْمَئِنُّ تَمامَ الإطمئنان إلى الْمَسْرَح ذلِكَ بِأَنَّني كُنْتُ أَعْرِفُ الْمُمَكِّلِينَ بِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ مِثْلِي، وَأَنَّهُ يُمْكِنُ لَيْسُهُمْ، عَلَى عَكْسِ الْمُمَكِّلِينَ فِي السّينما؛ فَقَدْ كُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّهُمْ لَا يَعْدُونَ أَن يكونوا حَيالَاتِ، لِذلِكَ كُنْتُ أَخْشَى الْمَناظِرَ الْمُثِيرَةَ في المشرح..

وَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، كُنَّا لِي تَفَتَّحُ نَذْهَبُ إِلى وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَدَائِقِ العُمومِيَّةِ المُنتَشِرَةِ فِي الْمَدِينَةِ؛ حَيْثُ كَانَ يَتَمَثَلُ لِي تَفَتَّحُ الْحياةِ وَازْدِهَارُها. كُنَّا تَذْهَبُ إِلَيْهَا عَالِياً في فَصْلِ الصَّيْفِ أَوْ فَصْلِ الرَّبيع، فَلا نَكَادُ نُقْبِلُ عَلَيْهَا، حَتَّى أُحِسَّ بِنَفْسِي تَنْشَرِحُ، وَكَأَنَّهَا تَنْطَلِقُ مِنْ عُمَالِ.

الْتَفَتُ يَمِينَا وَيَساراً؛ فَامْتَلَاتُ عَيْنَيَّ بِالزُّهورِ الْمُفَتَّحَةِ، ذَاتِ الْأَلْوانِ الْبَهِيجَةِ الَّتِي تَخْلُقُ مِنْ حَوْلِي جَوَا مِنَ الْخَيَالِ الْبَدِيعِ. وَكانَتْ رَائِحَةُ الْأَريج الْمُنْعِشَةِ، وَنَحْنُ نَتَجَوَّلُ بَيْنَ أَخْواضِ الْوَرْدِ، تَسْتَقْبِلُني؛ فَتَمْلأُ روحي الصَّغِيرَةَ بَهْجَةً، وَكَانَتْ تَحِيطُ بِهِذِهِ الزُّهورِ حُضْرَةُ الْأَرْضِ وَالْأَعْصَانِ، وَمِنْ فَوْقِهَا زُرْقَةُ السَّمَاءِ الصَّافِيَةِ، تَسْطَعُ وَسُطَهَا أَشِعَةُ الشَّمْسِ الدَافِتَةِ. كُنَّا نُقَابِلُ هُناكَ أَصْنَافَاً مِنَ النَّاسِ يَعْلُو الْبِشْرُ وُجُوهَهُمْ جَمِيعاً، عَلى تَبايُنهِمْ. وَكَانَ مِنْ بَيْنِهِمْ أَطْفَالٌ مِثْلِي. كُنتُ أَنْتَبِهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ يَقَعُ عَلَيْهِ بَصَرِي لأَن كُل شَيْءٍ كان جديداً بالنسبة إلي ..

(في " الطفولة لعبد المجيد بن جلون الصفحات: 1921 (بتصرف).