ضعف التوجيه التربوي يربك اختيارات التلاميذ الناجحين في الباك



عيش العديد من التلاميذ المغاربة الحاصلين عَلَى البكالوريا حديثا نوعا من التيه والحيرة والقلق، نتيجة “ضعف” التَّوجِيه التربوي، بِحَيْثُ لَا يعرف أغلبهم العديد من المَعْلُومَات المهمة عَنْ المؤسسات الوَطَنِية والدولية ذات الاستقطاب المحدود الَّتِي يمكنهم الالتحاق بِهَا.

وَلَا يزال التأطير التربوي يواجه مشاكل كثيرة بالنظام التعليمي المغربي، ويشتكي العديد من التلاميذ، خُصُوصًا أبناء الفئات الهشة، أَنَّهُمْ لَمْ يحسنوا الاختيار الجامعي، لكونهم لَمْ يجدوا من يمسك بأيديهم من الناحية التوجيهية والتأطيرية، قبل حصولهم عَلَى شهادة الباكالوريا.دعوة للتوجيه المؤسساتي

عبد العزيز سنهجي، الخبير فِي التَّوجِيه التربوي، قَالَ إن مسألة التَّوجِيه مَا بعد الباكالوريا من المسائل الَّتِي مَا زَالَتْ تؤرق بال الجميع، تلاميذ وأسرا وفاعلين تربويين واجتماعيين”، معتبرا أن “التَّوجِيه مَا بعد الباكالوريا مسألة مهمة، لِكَوْنِهِ يساهم فِي رسم معالم المستقبل الأكاديمي والمهني والحياتي للتلاميذ”.

وَأَضَافَ سنهجي، ضمن تصريحه لموقع متمدرس، أَنَّهُ “كلما كَانَ هُنَاكَ انسجام بَيْنَ مختلف جانبيات الطالب ومستلزمات الدراسة والتَّكْوين فِي المؤسسات مَا بعد البكالوريا كلما كَانَ ذَلِكَ مفيدا للطلبة وَلِهَذِهِ المؤسسات والمجتمع والدولة”، مردفا أن “هُنَاكَ فئة من التلاميذ الحاصلين عَلَى البكالوريا قَد حسمت أمر اختيارها سلفا وبشكل مبكر استنادا إِلَى مشاريع شخصية تمَّ إنضاجها بالتوازي مَعَ العملية التعلمية”.

كَمَا سجل المتحدث ذاته أن “البعض الآخر لَا يزال يعاني الحيرة والتردد ويحتاج إِلَى المزيد من المواكبة والمساعدة لتجاوز حالة الانحباس والقلق، خاصة أن مجموعة من المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود تفرض معايير وشروطا فِي الانتقاء الَّذِي يحيل عَلَى الإقصاء فِي أحيان كثيرة”، داعيا إِلَى “إحداث بنية مؤسساتية تعنى بمواكبة التلاميذ الحاصلين عَلَى البكالوريا لمساعدتهم عَلَى تدبير الانتقال بَيْنَ مرحلة التَّعْلِيم الثانوي التأهيلي وَالتَعْلِيم العالي”.

لكن مَا البدائل الممكنة؟ سؤال تطرحه موقع متمدرس عَلَى سنهجي، فأجاب، مُقترحا، أَنَّهُ “للتخفيف من هَذَا الوضع الضاغط عَلَى الأسر والتلاميذ وجب الاشتغال عَلَى التَّوجِيه بِشَكْل مبكر، استنادا إِلَى مخطط شخصي يرسم الأهداف المأمولة والأهداف البديلة فِي حالة وجود عراقيل وصعوبات تعترض مسار التلميذ”.

وَقَالَ صاحب كتاب “المواكبة فِي الأوساط المَدْرَسِية والتكوينية والمهنية” إن “العديد من التلاميذ، مَعَ كامل الأسف، يركزون عَلَى امتحان البكالوريا أملا فِي الحصول عَلَى معدل يعزز فرص التحاقهم بِمُؤَسَّسَاتِ معينة، وَالبِتَّالِي يؤجلون مسألة التَّوجِيه إِلَى مرحلة مَا بعد الحصول عَلَى شهادة البكالوريا”، مفيدا أَنَّهُ “فِي تِلْكَ الأثناء، يكون، مثلا، قَد انتهت آجال الترشح للالتحاق بمجموعة من المؤسسات. وَالبِتَّالِي، يفوتون عَلَى أَنْفُسَهُمْ فرصا مهمة”.

وَشَدَّدَ المتحدث عَلَى أن “هُنَاكَ فرصا وعروضا متعددة وجب التعرف عَلَيْهَا واستثمارها بالشكل المطلوب سَوَاء دَاخِل المَغْرِب لأو خارجه، بِالتَّعْلِيمِ العمومي أَوْ الخصوصي، بداخل مؤسسات الاستقطاب المفتوح أَوْ المحدود”، مبرزا أن “منطق الجسور والممرات يعطي فرصا واعدة للطلبة لاستثمار مكتسباتهم وتغيير مساراتهم الدراسية واستكمال مشاريعهم الأكاديمية والمهنية”.طريقة توجيه كلاسيكية

من جانبه، اعتبر محمد عزيزي، المستشار فِي التَّوجِيه التربوي، أن “المنهجية الَّتِي يتم عَلَى منوالها التواصل مَعَ تلاميذ الباكالوريا وتوجيههم هِيَ طريقة كلاسيكية وقديمة، لَمْ يعد لَهَا مكان فِي منظومة تربوية فِيهَا الكثير من ملامح التحديث والعصرنة”، موضحا أن “هُنَاكَ زخما من المَعْلُومَات وفرته الرقمية لِهَذَا الجيل حول مجموعة من المؤسسات؛ لكن المشكل أن عملية الاختيار هِيَ مَا يَجِبُ أن يساهم فِيهِ الموجه التربوي، بالنظر إِلَى كفاءات التلميذ ومهاراته وميُولاته الأكاديمية والمهنية”.

وَأَوْضَحَ عزيزي، فِي تصريحه لجريدة موقع متمدرس، أن العديد من المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، بحكم اعتباراتها الخَاصَّة، تفتح أبواب التسجيل فِي وقت إعداد التلاميذ لامتحانات الباكالوريا، وَهِيَ فترة من المفرُوض فِيهَا أن تساهم كل الأطراف فِي أن ينصب اهتمام التلميذ عَلَى الاختبار الوطني للحصول عَلَى معدل ممتاز”، مبرزا أن “المشكلة الَّتِي تقوم بِهَا هَذِهِ المؤسسات هِيَ أَنَّهَا تخلقُ قلقا مضاعفا ومزدوجا للتلاميذ فِي فترة الإعداد للباكالوريا”.

المقترح، الَّذِي قدمه المستشار فِي التَّوجِيه التربوي، يتمثل فِي أَنَّهُ “من الضروري أن تعلق كل المؤسسات فترة التسجيل إِلَى مَا بعد نتائج الباكالوريا، لكي يكون هُنَاكَ استعداد نفسي وأكاديمي مِنْ طَرَفِ التلميذ، الَّذِي سيعرف انطلاقا من معدلاته أية مؤسسة ستلبي حاجياته الأكاديمية والمهنية”.

وَشَدَّدَ المتحدث عينه عَلَى أن “الدولة يَجِبُ أن تتجه فِي منحى عصري وجديد، عبر خلق بوابة تتضمن معطيات التلاميذ، بالتنسيق مَعَ المؤسسات التعليمية العُلْيَا، لكي يتم التواصل مَعَ أي تلميذ يستوفي شروط التسجيل القبلي فِي مؤسسة معينة”.

وَفِي هَذَا السياق، أَفَادَ عزيزي بِأَنَّ “وِزَارَة التربية الوَطَنِية يَجِبُ أن تراجع التدبير البيروقراطي لملف المنحة الدراسية، لِكَوْنِهِ يضيف أعباء أُخْرَى للتلاميذ المقبلين عَلَى الباكالوريا”، مؤكدا أن “الدولة يَجِبُ أن تُنَظِّمُ كذلك منتديات جهوية للتوجيه وتخصص لَهَا الإمكانيات المادية واللوجستية، وتستقبل التلاميذ لمدة ثلاثة أيام، لتشجيعهم عَلَى اتخاذ قرار يكون فِي صالح مستقبلهم، بِمَا أَنَّهُمْ ليسوا فِي حاجة إِلَى معلومات عَنْ مؤسسات، فَهِيَّ متوفرة رقميا؛ بيد أَنَّهُمْ يحتاجون إِلَى من يحتويهم ويوجه اختيارهم”.

مواضيع ذات صلة
مستجدات

أنشر الموضوع مع أصدقائك

التعليقات
0 التعليقات

Aucun commentaire: