النص السماعي فنون العمران بالمغرب pdf

يَكْمُنُ سِحْرُ الْمَغْرِبِ فِي تَنَوعِ مَناظِرِهِ وَمُكَانِهِ، وَهَنْدَسَةِ أَبْنِيَتِهِ الْعُمْرَانِيةِ، فَالْمَدِينَةُ الْمَغْرِبِيَّةُ يَتَوَسُطُها مَسْجِدٌ جَامِعٌ ، تَنْدَرِجُ حَوْلَهُ الْقِبَابُ وَالْمَدارِسُ الْقُرْآنِيَةُ، وَحَوانِيتُ الصُّنَاعِ . وَإِذَا كَانَ الدَّوْرُ الرِّئيسِيُّ لِلْمَسْجِدِ هُوَ إِقَامَةُ الشَّعَائِرِ ، فَإِنَّ ما يُزَيَّنُهُ هُوَ إِبْدَاعُ الصُّنَاعِ الْهَنْدَسِيِّ الْإِسْلَامِي بِصِفَةٍ عَامَّةٍ، وَالطَّابَعُ الْمَغْرِبِيُّ بِصِفَةٍ خاصة. أَمَّا الْبَيْتُ الْمَغْرِبِيُّ الْحَضَرِيُّ التَّقْلِيدِيُّ، فَإِنَّهُ مَنْزِلْ عَرَبِيُّ فِي مَشْهُومِهِ، يَطْمَحُ الْعَرَبِيُّ فِيهِ أَنْ يَجْلُبَ السَّمَاءَ إِلَى بَيْتِهِ، لِذَلِكَ يَيْنِي غُرَفَهُ بِشَكْلٍ مُسْتَطِيلٍ عَالِياً وَيَتْرُكُ الْفَضاءَ واسِعاً مُضاءَ بِنورِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرَ، تُزَيْتُهُ عَالِباً نافورةٌ في وَسَطِ سَاحَتِهِ، تُرْسِلُ آلماءَ مِنْ أَنابِيبَ فِي عَايَةِ الرُوْعَةِ.

 إِنْ الدَّارَ الْمَغْرِبِيَّةَ دَارٌ عَرَبِيَّةٌ لأَنْ نَصْميمها الْهَنْدَسِي صَادِرٌ عَنْ ذَوْقٍ أَصِيلٍ، قَائِمٍ عَلَى فَنْ الْمُوَحَدِينَ فِي الْبِنَاءِ بِالْمُدْنِ الْأَنْدَلُسِيَّةِ وَالرينِتِينَ فِي كُلِّ مِنْ فَاسَ وَمَكْنَاسَ وَنِطْوانَ الَّتِي تَحْتَفِظُ بِذِكْرَياتِ الْأَنْدَلُسِ وَقَدْ بَلَغَتِ الْحَياةُ التي كانَ الْمَرْءُ يَحْياها وَلا يَزَالُ بَيْنَ الْجُدْرَانِ الْمُزَيَّنَةِ بِالزليج ، وَالْمُزَ خَرَفَةِ بِالْجِبْسِ وَالْخَشَبٍ حَداً عالياً مِنَ الذَّوْفِ وَرِقْةِ الْعَيْشِ .

 تُضَافُ إِلَى ذَلِكَ نَمَاذِجُ مِنَ الْبِنَاءِ الصَّحْرَاوِي الْمَعْرُوفِ بِالْقَصَبَاتِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي الْجَنوبِ، وَهِيَ نَمازِجُ هَنْدَسِيَّةٌ لَهَا جَمَالِيْتُها ، وتَتَكَوَّنُ مِنْ طَابَقَيْنِ غالباً ، وَيُحيطُ بِالْقَصَبَةٍ مِنْ كُلِّ زَاوِيَةٍ سورٌ ذو جُدْرانِ عالِيَّةٍ مَعَ حِصْنٍ مُجَلَّلٍ بِفَجواتٍ يُطِلُّ مِنْهَا الْمُدَافِعونَ عَنْ قَصَبَتِهِمْ عِنْدَ الْهُجوم عَلَيْهَا ، وَيُزَيِّنُ الواجهاتِ العُلْيا صُورٌ هَندَسِيَّةٌ مِنَ الْآخِرِ، وَثَغَراتٌ ضَيِّقَةً مَوْشُومَةً بِشَبَابِيكَ مِنَ الْحَدِيدِ. هَذِهِ الْمَسَاكِنُ الْمُحَصْنَةُ تَأْوِي سُكاناً يُحافِظُونَ عَلى نَقاليدِهِمْ وَيَتَكَلَّمُونَ الْأَمازيغية، وَأَجْعَلُ هَذِهِ القصبات توجَدُ عَلى طولِ ضِفْتَي دادسَ وَرافِدِهِ وادٍ مَكَونَ، وَتَرى النَّهْرَ يَجْرِي تَحْتَهَا وَأَشْجَارَ الْفَوَاكِهِ وَالْوُرُودِ الْعَطِرَةِ تَنْبُتُ بِجَوانِيهَا، وَهَكَذَا فَلِلْمَغْرِبِ أَلْفُ مَظْهَرٍ وَمَظْهَرٍ كُلُّهَا تُثِيرُ الْفَرَحَ وَالْإعْجَابَ . أحمد الصفريوي، مناظر المغرب تستحق أن ترسم كلها من المغرب في لوحات رسام.

تأليف جماعي - نشر مصلحة الخطوط الملكية المغربية الشركة الجديدة للطبع والكرطون ص : 23/19