النص السماعي كيف تعلمت الرسم pdf

 1 - في نهاية 1931 وبداية العام التالي  - وأنا يافع - بَدَأْتُ أَرْسُمُ بِقَلَمِ الرَّصاصِ، ثُمَّ الْأَلْوانِ فِي طَرِيقي إِلَى الْمَدْرَسَةِ كُنتُ أرى خلاقاً أَقام بجانب كُرْسِيّ الْخِلاقَةِ فِي دُكَّانِهِ مُسْتداً جَعَلَ عَلَيْهِ لَوْحَةً كَبِيرَةٌ، رَسَمَ عَلَيْهَا مُرَبَّعَاتٍ، وَراحَ مِنْ خِلالِ الْمُرَبَّعَاتِ يَرْسُمُ خُطوطاً بِالْقَلَمِ، ثُمَّ يُضيفُ أَلْواناً، على مهل، وَبِعِنايَةٍ. كُلَّما مَرَرْتُ بِهِ، يَوْمَا بَعْدَ يَوْمٍ، رَأَيْتُ الصَّورَةَ تنامي في لوْحَتِهِ كُنتُ أَقِفُ بِالْبَابِ وَأَتَفَرَّجُ عَلَيْهِ، وَيُشَجِّعُني عَلى مُتابَعَتِهِ، وَأَفْهَمَني أَنَّ اللَّوْحَةَ هِيَ تَكْبِيرٌ لِصورَةٍ فوتوغرافيَّةٍ، بِحَجْمِ بِطاقَةِ الْبَرِيدِ لِرَجُلٍ وَزَوْجَتِهِ، خَطَطَ عَلَيْهَا مُرَبَّعَاتٍ صَغِيرَةٍ، وَجَعَلَها عَلى جَانِبِ مِنَ اللَّوْحَةِ يَنْقُلُ عَنْهَا ثُمَّ يُدْخِلُ في اللَّوْحَةِ الألوان الزَّيْتِيَّة التي يَرْتَنيها ، وهي رَاهِيَةٌ فَرِحَةٌ في مُعْظَمِها يَغْلِبُ فِيهَا اللَّوْنَانِ الْأَحْمَرِ وَالْأَزْرَقِ.

 2 - وهذا ما فعلتُ أنا أَيْضاً ، ولَكِنْ بِقَلَمِ الرَّصاصِ. كان كتابنا الْمَدْرَسِيُّ لِمادة التاريخ ملينا بِصُورِ شَخْصِيَّاتٍ تاريخيَّةٍ، جَعَلَتْ أَنْقُلُها مُكَبَّرَة بِالْمُربَّعَاتِ، وَتَباهَيْتُ بِشَكْلٍ خاص بتكبيري لِصورَةِ نابليون؛ فَقَدْ جَعَلَتْنِي أَتَأَمَّلُ كَيْفَ تَتَشَكُلُ الْعُيونُ الصُّورِ كَما في الواقع، وأدْرَكَتْ صُعوبَة رَسْمِ الأنوفِ عَلى نَحْو مُقْنِعِ إِذَا قَابَلَنِي الْوَجْهُ بِتَمَامِهِ، وَأَصْحَبُ مِنْها رَسُمْ الْأَيْدي وَالْأَقْدامِ. فَرَكَرْتُ هَمّي عَلى مُحاولة إنقان تصويرها تخطيطاً وتظليلاً، وَجَعَلْتُ أَتَمَعَّنُ في عُيونِ النَّاسِ وَشِفَاهِهِمْ، وَأَيْديهِمْ وَأَقْدامِهِمْ في حالاتها، وحركاتها الْمُخْتَلِفَةِ، وَجَعَلْتُ أَرى فيها جَمالاً راحَ يَشُدُّني بِأَزْدِيادِ. وَبِفَوْرَةِ مِنَ الْحَمَاسِ. حِينَ نَظَرَتْ أُمِّي إِلَى بَعْضِ الصُّورِ الَّتِي رَسَمْتُهَا، قَالَتْ: 

- سأعطيك قرشاً تَشْتَرى بِهِ أَقْلاماً مُلونَهُ شَرِيطَة أَنْ تَرْسُمَ بِهَا بَيْتَنَا. في

كَيْفَ تَعَلَّمْتُ الرَّسْمَ؟

حَصَلْتُ عَلَى عُلْبَةٍ مِنْها، مع ريشتَيْنِ أَوْ ثَلاثٍ وَبَقِيَتِ الْأَلْوانُ الْمَانِيَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ وسيلتي في الرسم إلى جانبِ قَلَمِ الرصاص، إلى أنْ ذَهَبْتُ لِلدّراسة في إنجلترا، بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبْعٍ أَو ثماني سنواتٍ حَيْثُ عَلَّمْتُ نَفْسِي أَخيرا الرَّسْمَ

بالزيت. وكانَ الرَّسُم لي بابا آخرَ دَخَلْتُهُ إلى عالمٍ وجَدتُ فيه ملاذا لا بُدَّ لي مِنْهُ، ووسيلة لنشواتٍ عَوَّضَتْ لِي عَنْ بُؤْسِ كثير فيما بَعْدُ يَوْمَ أُعْلِقَتْ جُدْرَانُ البَيْتِ عَلى مَنْ فيه، وانسَدَّتِ المَنافِدُ الَّتي تَدْخُلُ مِنْهَا مَشاهِدُ الْأَشْجَارِ الْمُحَمَّلَةِ بالعصافير، ورُؤى الْجِبالِ وَالْوِدْيانِ الْمُتَصَاحِكَةِ فِي ذَوبِ الشَّمْسِ.

جبرا إبراهيم خبراء البشر الأولى ( سيرة دانية) دار الآداب ط 2019 من 180