النص السماعي من حقك ان تعبر pdf

قَفَزَ يوسُفُ مِنْ نَوْمِهِ مُبَكِّراً لَمْ يَنْتَظِرْ أُمَّهُ لِتُعِدَّ لَهُ الْفُطورَ ، بَلْ لَيسَ مَلابِسَهُ عَلَى عَجَلٍ دُونَ مُسَاعَدَةٍ مِنْ أَحَدٍ، عَلى غَيْرِ عادَتِهِ كَانَ سَعِيداً لأنَّهُ انْتَقَلَ إلى مَدْرَسَةٍ جَدِيدَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ سُكْنَاهُ تَعَوَّدَ عَلي جَوّ وَبِينَةِ الْمَدْرَسَةِ، وَبَدَأَ يُحِسُّ بِنوعِ مِنَ الثَّقَة خاصةً وَهُوَ يَسِيرُ إِلَى جَنْبِ أَصْدِقَاءِ حَيْهِ مِنَ الْبَيْتِ إلى قاعَةِ الدَّرْسِ، وَلَمْ تَعْدِ الْمَسَافَةُ تُرْهِقُهُ وَهُوَ مُتَأبط مِحْفَظَتَهُ الثَّقِيلَةَ، وَكَأَنَّهَا تَحْمِلُ كُلَّ كُتُبِ الدُّنْيا.

دَخَلَتِ الْمُعَلَّمَةُ حُجْرَةَ الدَّرْسِ وَالْقَتْ تَحِيَّةَ الصَّباح ، ثُمَّ طَلَبَتْ مِنَ الأَطْفَالِ إِخْرَاجَ عَلَبِ الْأَلْوانِ، وَبِما أَنَّ ُيوسُفَ يَعْشِقُ الرَّسْمَ فَقَدْ بَدَأَ مُباشَرَةً بِرَسْمِ كائنات مُخْتَلِفَةٍ، وَفَجْأَةً صَرَخَتِ الْمُعَلِمَةُ في ة في وَجْهِهِ تَوَقَّف ... لَمْ نَبْدَأُ بَعْدُ التَوَقَّفَ يوسف مُتَأَثَراً قَالَتِ الْمُعَلَّمَةُ : سَنَرْسُمُ الْيَوْمَ زَهْرَةً انْطَلَقَ الطَّفَلُ بِسُرْعَةٍ يَرْسُمُ بِبَساطةٍ حَقْلاً مِنَ الزُّهور مِنْ مُخْتَلَفِ الْأَشْكالِ وَالْأَلْوانِ، فَهُوَ يُحِبُّ الْأَلْوانَ الأَساسِيَّةَ الْأَحْمَرَ وَالْأصْفَرَ وَالْأَزْرَقَ ...وَيُحِبُّ أَيْضاً ما يَنْتُجُ عَنْها مِنْ أَلْوانِ أُخْرِى رَائِعَةِ الْجَمالِ . الِ، سَواءً كانَتْ ألواناً ساخِنَةً أَوْ دَافِئَةً.

رَأَتْهُ الْمُعَلَّمَةُ مُنْهَمِكاً في الرَّسْمِ، فَصَرَخَتْ مَرَّةً أُخْرى :تَوَقَّف إلا أُريدُ مِنْكُمْ أَنْ تَرْسُمُوا أَيَّ زَهْرَةٍ، بَلْ لا بُدَّ أَنْ تَكونَ أَزْهارُكُمْ مُطابِقَةً لِرَسْمِي هَذا !.. وَرَسَمَتْ زَهْرَةً حَمْراءَ بِبُرْعُمِ أَخْضَرَ عَلَى السَّبُورَةِ إتَأَمَّلَ ُيوسُفُ رَسْمَتَهُ فَوَجَدَها - في تَقْدِيرِهِ - أَجْمَلَ وَأَكْثَرَ حَيَاةً وَتَنَوُّعاً مِنْ رَسْمِ الْمُعَلَّمَةِ، وَلَكِنْ مَزَّقَ وَرَقْتَهُ، وَرَسَمَ وَرْدَةً حَمْراءَ بِبُرْعُمٍ أَخْضَرَ تَمَاماً كَمَا أَمَرَتِ الْمُعَلِّمَةُ.

مَضَتْ أَيّام وأسابيع، وفي حِصَّةٍ فَنّيَةٍ أُخْرى، قالَتِ الْمُعَلَّمَةُ : الْيَوْمَ سَنُخَصِصُهُ لِأَعْمَالِ الطِّينِ فَرِحَ يوسُفُ، فَهُوَ يُحِبُّ أَيْضاً اللعب بِالطِّينِ، كَما يُعْجِبُهُ التَّشكيلُ بِهِ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ صُنْعَ الْأَشْكَالِ مِنْ حَيوانات وطيورٍ وَكَائِناتٍ أُخْرى، لِذَلِكَ أَسْرَعَ إلى تشكيل طائِرٍ جَمِيلٍ لَكِنَّ الْمُعَلَّمَةَ نَهَرَتْهُ قَائِلةً : تَوَقَّف إثُمَّ طَلَبَتْ مِنَ الْأَطْفَالِ صُنْعَ صَحْنٍ مِنْ عَجِينِ الطِّينِ انْطَلَقَ يَوسُفُ بِسُرْعَةٍ فِي الْعَمَلِ الْجَدِيدِ، لَكِنَّ الْمُعَلَّمَةَ نَهَرَتْهُ مِنْ جَدِيدٍ انْتَظِرْ إِثْمَ طَلَبَتْ مِنْ كافَّةِ الْأَطْفَالِ أَنْ يَصْنَعُوا صَحْنا تَمَاماً كَهَذا الصَّحْنِ الَّذِي عَمِلَتْهُ بِيَدِها نَظَرَ الطَّفْلُ إِلى الصَّحْنِ الْمَفْرُوضِ، لَكِنَّهُ عَجَنَ صَحْنَهُ الْجَمِيلَ، وَبَدَأ في تشكيل الطِّينِ طبقاً لإرادَةِ الْمُعَلَّمَةِ!! في السَّنَةِ الْمُوالِيَةِ، أَنْتَقَلَ ُيوسُفُ إلى الْقِسْمِ الْأَعْلَى دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ مُعَلَّمَةُ الرَّسُمِ الْجَدِيدَةُ ... 

طَلَبَتْ مِنَ الْأَطْفالِ إِخْرَاجَ عَلَبِ الْأَلْوانِ أَخْرَجَ يوسُفُ عَلْبَتَهُ دونَ أَي حَماسِ، وَوَضَعَهَا عَلَى الطَّاوِلَةِ، وَأَخَذَ يَنْتَظِرُ الْكُلُّ بَدَأَ يَرْسُمُ إِلا هُوَ أَقْتَرَبَتِ الْمُعَلَّمَةَ قائِلَةٌ :لماذا لا تَرْسُمُ يا بُنَيَّ؟ أَجَابَ يوسُفُ : أَنْتَظِرُ أَنْ تَقولي ماذا أُرْسُمُ وَكَيْفَ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمُعَلَّمَةُ مُبْتَسِمَةً :الْأَمْرُ مَتْرِوِكٌ لَكَ مِنْ حَقِّكَ أَنْ تَرْسُمَ ما تَشاءُ اوَتُعَبّرَ كَما تَشاءُ !... مَدَّ يَدَهُ إِلى عُلْبَةِ الْأَلْوانِ، سَحَبَ فَقَطْ اللَّوْنَ الْأَحْمَرَ وَاللَّوْنَ الْأَخْضَرَ، ثُمَّ رَسَمَ زَهْرَةً حَمْراءَ، بِبُرْعُمِ أَخْضَرَ! 

د. فضل الفضلي مجلة- الكويت - العدد 162 ص 55.