النص السماعي رحلة في الصحراء pdf

حَكَى أَبِي عَنْ رِحْلَةِ قَامَ بِهَا مَعَ أَصِدقائِهِ فَقَالَ : « في قَلْبِ الصَّحْرَاءِ أَمْتَدَّتْ أَمَامَنا الرِّمالُ مُرْتَدِيَةً لِباساً بِصُفْرَةِ الذَّهَبِ يَكْسو الدُّنْيا مِنْ حَوْلِنَا. وَصَلْنا واحَةَ يُتَوّجها النَّخِيلُ وَتَخْتَرِقُهَا الْجَدَاوِلُ الَّتِي يَتَرَقْرَقُ فِيهَا أَلْمَاءُ عَلَى مَهْلِ، يَتَلَأُلأُ تَحْتَ أَشِعَةِ شَمْسٍ حارِقَةِ. واحةٌ مُتَمَيِّزَةٌ بِجَوْدَةٍ تُمُورِهَا، مِمَّا جَعَلَهَا قِبْلَةً لِلسَّائِحِينَ قَصْدَ التَّمَتُّع بِالرِّمالِ الذَّهَبِيَّةِ وَأَشِعَةِ الشَّمْسِ عَلَى مَدَارِ السَّنَةِ. كُنْتُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ الرَائِعِ، أَسْتَنْشِقُ عَبِيرَ الصَّحْرَاءِ الْمُعَطَّرِ بِرَائِحَةِ «الشَّيحِ» وَالزَّعْتَرِ». وَعِنْدَما تَوَكَّلْنا داخِلَ الصَّحْراءِ بَدَتْ كُتْبانُها الرَّمْلِيَّةُ أَكْثَرَ تَبَاعُدَاً وَأَشَدَّ رَوْعَةً وَجَمَالاً. هَبَّتْ عَلَيْنَا عَاصِفَةٌ رَمْلِيَّةٌ، فَأَمْتَلَاتِ الْأَرْضُ وَالسَّماءُ بِالرِّياحِ الشَّدِيدَةِ الْمُحَمَّلَةِ بِالرِّمَالِ. كَانَتْ أَرْضُ الصَّحْرَاءِ ساخِنَةً مُلْتَهِبَةَ كَأَنَّها جَوْفُ فُرْنٍ مُتَّقِدِ، وَأَيْنَما وَلَّيْتُ وَجْهِي وَجَدْتُ الصَّحْرَاءَ الشَّاسِعَةَ فَاحِلَةً لا تَغِيبُ عَنْهَا الشَّمْسُ أَبَدًا وَكُنْتُ أَتَأَمَّلُ الرّمالَ وَالرِّياحَ الْمُتَلاحِقَة تَهُبُّ عَلَيْهَا لِتَجْعَلَهَا تَنْسَابُ وَتَلْتَوِي كالأفاعي.

كَانَ الْجَو حَوْلَنا ساكناً لا تَهُبُّ فِيهِ نَسْمَةً، فَقَالَ زَميلي وَهُوَ يَدْخُلُ الْخَيْمَةَ: اسْتَقْبَلْنَا يَوْمَا قَائِظَاً مُحْرِقاً وَوَدَّعْناهُ بِلَيْلِ هَادِئِ رَطْبٍ عَلِيلٍ.»

المؤلفون