النص السماعي في قَلْبِ الرِّيفِ pdf

كانَتِ السَّيَارَةُ تُواصِلُ الصُّعود بنا في الطَّرِيقِ الْجَبَلِيَّةِ ، وَهِيَ تَتَلَوَى كَالتَّعَابِينِ، وَنَحْنُ نَخْتَرِقُ جبالَ الرِّيفِ حَتَّى دَخَلْنَا إِقْلِيمَ الْحُسَيْمَةِ، وَانْطَلَقْنا صاعِدِينَ وَمُنْحَدِرِينَ بَيْنَ الْجِبَالِ وَالْهِضَابِ وَالسُّهولِ وَالْوِدْيانِ .. مَشَاهِدُ الطَّبِيعَةِ مِنْ حَوْلِنَا مُثيرَةٌ خَلابَةٌ، وَنَهْرُ الْمَلْوِيَّةَ» الَّذِي يَخْتَرِقُ جِبَالُ الرِّيفِ بِرُفْقَتِنَا ، وَيَشُقُ طَريقَهُ صانعاً يُحَيْرَاتٍ في بَعْضِ السُّهولِ، وَنَجِدُ أَنْفُسَنَا وَقَدْ أَطَلَّتْ عَلَيْنَا غَابَاتُ السِّنْدِيانِ وَالْفِلَّينِ وَالصَّنَوْبَرِ وَالْأَرْزِ مِنْ فَوْقِ الْقِمَمِ، بَيْنَمَا تَنْتَشِرُ أَمَامَنَا، عَلَى السُّفوحِ وَفِي الْمُنْخَفَضَاتِ أَشْجارُ اللُّوْزِ وَالبُرْتُقَالِ ، وَحُقولُ الْحُبوبِ وَالْخُضَرِ وَالْقَطَاني..

شَاهَدْنا طُوابِيرَ الْمُزارِ عِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْمَزارِعِ ، وَلَفَتْ نَظَرَنَا فِي لِقَائِنَا بِالسَّكَانِ الْجِبَلِيِّينَ ، أَنَّهُمْ أَصْحَابُ رِقّةٍ ... هَكَذَا لَقِينَاهُمْ فِي مُخْتَلَفِ الْمُدُنِ الَّتِي مَرَرْنا بِها.. بَيْنَ «أَكْنول» وَ«تَرْكِسْتْ» وَ«تاوْريزْتِ» و«أَنْوالَ» و«أَجْدِيرَ وَغَيْرِها ، حَتَّى وَصَلْنَا إِلَى عَاصِمَةِ الْإِقْلِيمِ «الْحُسَيْمَةِ» الْقُطْبِ الرِّياحِي الَّذِي يَجْلُبُ السَّياحَ الْوافِدينَ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ أَصْقَاعِ الْعَالَمِ، قَاصِدِينَ الرَّاحَةَ وَالْاِسْتِجْمَامَ عَلَى أَجْمَلٍ شَواطِئِها الْواسِعَةِ، كَما أَنَّ سِياحَةَ الْجَبَلِ لَا تَقِلُّ فِي أَهَمِّيَتِهَا عَلَى الشَّواطِئِ، وَمِنْهَا هَذِهِ الْمَناطِقُ ، وَخاصَّةً عِنْدَما تَكْسوها التلوجُ .

تَقِفُ عَلَى شُرْفَةِ فُنْدُقٍ مُحَمَّدٍ الْخامِسِ الْمُطِلْ عَلى خَليج الْحُسَيْمَةِ، إِنَّهُ مَشْهَدٌ سِياحِي رائع، وَقَبَالَتَهُ عددٌ مِنَ الْمَنَازِلِ عَلَى شَكْلِ تَجَمُعاتٍ سِياحِيَّةٍ، تَزيدُ الْمَكَانَ جَمَالاً وَبَهَاءً، وَفِي اللَّيْلِ تَبْدو هَذِهِ الْبُيوتُ كَأَنَّهَا نُجومٌ تَسْطَعُ بِنورٍ بَهِيجٍ فَصَدْنا مُنْتَجَعَ الْحُسَيْمَةِ، وَالْتَقَيْنَا بِبَعْضِ الْمَسْؤولينَ الَّذِينَ رَكَّبوا بِنا وَشَرَحوا لَنا مَعْنى الْحُسَيمَةِ الَّتِي تَعْنِي الْخُزامَةَ».

احْتَلْتِ الْحُسَيْمَةُ فِي السَّتَينِيَاتِ وَأَواخِرِ السَّبْعَينِيَاتِ مِنَ الْقَرْنِ الْمَاضِي مَكَانَةً مُمْتَازَةً وَمَرْكَزِاً مُهِمَا فِي الْمَيْدَانِ الرِّياحِي بِاعْتِبَارِها قُطْباً سياحياً قائماً بذاتِهِ، وَتَمَّ اخْتِيَارُهَا مِنْ ضِمْنِ خَمْسٍ مَناطِقَ ، كَانَ لَهَا أَوْلَوِيَّةُ الْإِعْدادِ لُوَهْلَاتِها الَّتي تُشَكّلُ مِسَاحَةً سِياحِيَّةً مُتَكَامِلَةً مِنْ مَناظِرَ طَبِيعِيَّةٍ خَلابَةٍ إِلى عَابَاتٍ كَثِيفَةٍ هِيَ مَقْصِدُ السَّياحِ الَّذِينَ يَفِدونَ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ أَصْقَاعِ الْعَالَمِ قَاصِدِينَ الرَّاحَةَ عَلَى أَجْمَلِ الشَّواطِئ الْمَغْرَبِيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ الْفَسِيحَةِ .

سلیمان مظهر العربي، عدد 345 أغسطس 1978 . .