النص السماعي أيادي الدهب الأبيض pdf

ما إِنْ تَبْرُعُ خُيوطُ الْفَجْرِ الْأُولى، حَتَّى تَحْزِمَ نِسَاءُ الْقَرْيَةِ أَمْتِعْتَهُنَّ مُعْلِنَاتٍ بِدَايَةَ رِحْلَةٍ عَمَلٍ شَاقَّةٍ عَلَى سفوح الجبالِ؛ بكثيرٍ مِنَ الصَّبْرِ، وَقَليلٍ مِنْ الزَّادِ يَقْطَعْنَ مَسافَةً طَوِيلَةً سَيْراً عَلَى الْأَقْدَامِ، لِلْوُصولِ إِلَى بِثْرِ

ماءٍ غَنِيَّةِ بِمِلْحٍ، يَحْتَرِفْنَ اسْتِخْرَاجَهُ ثُمَّ بَيْعَهُ. عَمَلِيَّةٌ مُضْنِيَّةٌ تَقومُ بِهَا نَحْوُ عِشْرِينَ مِنْ نِسَاءِ الْقَرْيَةِ؛ تَبْدَأُ مَعالِمُ هَذِهِ الْعَمَلَيَّةِ بِاسْتِخْراجِ الْمَاءِ مِنِ الْبِقْرِ، ثُمَّ ضَلِّهِ فِي أَحْواضِ مَحْفُورَةٍ فِي الْأَرْضِ، وَمُعَلَّفَةٍ بِطَبَقَةٍ مِنَ الْبَلاسْتِيكِ تَمْنَعُ الْمَاءَ مِنَ التَّسَرُّبِ إِلَى الْأَعْمَاقِ. يُتْرَكُ الْمَاءُ أَيَا مَا لِأَشِعَةِ الشَّمْسِ لِيَتَبَخَّرَ فَيُخَلِّفَ وَرَاءَهُ مَا تَرَسَّبَ مِنْ مِلْحٍ مُعْلِنَا بِدَايَةَ مَشْهَدٍ جَدِيدٍ مِنْ مَشَاهِدِ اسْتِخْراجِ مِلَحِ الْحَيَاةِ. وَإِذا كَانَتْ أَشِعَّةُ الشَّمْسِ الْحَارِقَةُ غَيْرَ مُحَبَّدَةٍ لَدَى نِسَاءِ الْمِلْحِ لِمَا تُسَبِّبُهُ لَهُنَّ مِنْ مَشَقَّةٍ

سَواءٌ خِلالَ رِحْلَتِهِنَّ، أَوْ أَثْناءَ عَمَلِهِنَّ ، فَإِنَّ تِلْكَ الْأَشِعَةَ تَكونُ مَطْلُوبَةً وَضَرُورِيَّةً فِي مَرْحَلَةِ الْأَحْواضِ. بَعْدَ تَبَخْرِ الْمَاءِ المالحِ، تَبْدَأُ تُلَيْلاتُ الْمُلْحِ في الظهور، فَتَتَها النِّسَاءُ لِبَدْهِ الْمَرْحَلَةِ الْجَدِيدَةِ؛ فَيَقْتَحِمْنَ الْأَحْواضَ بِأَحْذِيَّةٍ بَلاستيكيَّةٍ تَحْمِي أَرْجُلَهُنَّ مِما قَدْ يُسَبِّبُهُ الْمُلْحُ مِنْ ضَرَرَ، وَقُبَّعَاتٍ مِنْ الدَّوْمِ تَقِيهِنَّ مِنْ لَفْحِ أَشِعَةِ الشَّمْسِ، وَبِحَرَكَاتٍ مُتَناسِقَةٍ تَرْفُسُ النِّسْوَةُ بِأَقْدَامِهِنَّ أَكْوامَ الْمِلْحِ الْمُتَرَسِّبِ فِي قِيعَانِ

الْأَحْواضِ لِتَفْتِيتِهِ بَعْدَما تَحَجَّرَ بِفِعْلِ الْحَرَارَةِ. يُجْمَعُ الذَّهَبُ الْأَبْيَضُ فِي أَكْياسِ كَبِيرَةٍ، ثُمَّ يُنْقَلُ عَلى ظُهورِ الدَّوابِّ إِلَى الْقَرْيَةِ، حَيْثُ مَقَرُ التَّعاوُنِيَّةِ لِتَنْطَلِقَ عَمَلِيَّةُ المُعالَجَةِ؛ إِذْ تُسْتَخْلَصُ مِنْهُ عِدَّةُ مُنتَجاتٍ؛ كَمِلْحِ الطَّعَامِ، وَمِلْحِ التَّجْمِيلِ، والزيوتِ الْعِلاجِيَّةِ، فَضْلاً عَنْ مُكَوِّنَاتٍ تَدْخُلُ فِي صِناعَةِ مَعْجونِ الْأَسْنانِ .

وَرِثَتْ نِسَاءُ الْمِلْحِ مِهْنَتَهُنَّ عَنِ الْجَدَاتِ، وَتُشَكِّلُ مَوْرِداً أَساساً لِلرِّزْقٍ فِي حَيَاتِهِنَّ، حَيْثُ إِنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُنَّ أَرَامِلُ أَوْ مُطَلَّقَاتٌ، إِلَّا أَنَّ ضَعْفَ الْإِقْبَالِ فِي السّوقِ الْأُسْبُوعِيِّ عَلَى شِرَاءِ الْمِلْحِ، وَاسْتِمْرارَ مَوْسِمِ هَذا النَّشَاطِ لِثَلاثَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ جَعَلَ هَؤُلاءِ النِّسْوَةَ يَأْمَلُنَ فَتْحَ أَسْواقِ الْمُدُنِ الْكُبْرِى أَمَامَ منتجاتِهِنَّ، بَلْ وَفَتح المجال لتشويقها إلى الخارج.

وكالة الأناضول، نساء الملح في المغرب أيادي الذهب الأبيض»، (بتصرف) . ‏https // Aljazeera.net نشر بتاريخ 01-4-2018