شكلت العلاقة الوظيفية داخل الإدارة موضوعا للنقاش الفقهي و القانوني بين المتخصصين محاولة منهم لإعطاء تفسيرات لهذه العلاقة و تحديد طبيعتها، مما أدى إلى ظهور نظريتين هما النظرية التنظيمية و النظرية التعاقدية. وقد أثار موضوع التوظيف -أو التشغيل- بموجب عقود بالوظيفة العمومية نقاشا بين مختلف الأوساط المرتبطة بالإدارة العمومية خصوصا منها الأوساط النقابية، و التي اعتبرت هذا النوع من الإجراءات سيؤدي إلى خوصصة الإدارة وجعلها تنحرف عن بعض المبادئ المرتبطة بالمرفق العام كمبدأ المساواة و مبدأ الاستمرارية، وكان مثار تجدد النقاش حول موضوع التعاقد داخل الوظيفة العمومية، التنصيص عليه صراحة في النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية في الفصل 6 مكرر و عزم الحكومة إصدار المرسوم التطبيقي لهذا الفصل، ما يجعلنا نحاول مقاربة هذا الموضوع من خلال تحديد الأسس القانونية للتعاقد داخل الوظيفة العمومية باعتباره ممارسة معمول بها داخل الإدارة، بالإضافة إلى محاولة قراءة نموذج لعقد التوظيف و تحديد بعض ملامح المسار المهني للأعوان المتعاقدين.
يعتبر نظام التعاقد واحدًا من أبرز التغييرات الَّتِي شهدها القطاع العام فِي المَغْرِب خِلَالَ السنوات الأخيرة فِي مجال التَّعْلِيم. يتيح هَذَا النظام للعاملين فِي القطاع الحكومي فرصة الحصول عَلَى وظيفة مؤقتة لفترة محددة، مَعَ الحفاظ عَلَى حقوقهم الأساسية. رَغْمَ أَنَّ هَذَا النظام يثير الجدل والتساؤلات حول أهميته وفعاليته، إلَّا أَنَّهُ يعد خيارًا جديدًا يمنح العاملين فرصة للحصول عَلَى تجربة عمل وتحسين مهاراتهم. كَمَا يتيح للحكومة توظيف الكفاءات الشابة والمؤهلة وتقليل نسبة البطالة فِي البلاد. سنستكشف فِي هَذِهِ المقالة الفرق بَيْنَ التعاقد والتعيين فِي التَّعْلِيم فِي المَغْرِب، ونسلط الضوء عَلَى مزاياه وعيوبه وأهم النصائح للراغبين فِي العمل حَسَبَ هَذَا النظام.
مَا هُوَ نظام التعاقد فِي الوظيفة العمومية
نظام التعاقد فِي الوظيفة العمومية هُوَ نظام يتم فِيهِ توظيف خريجي المعاهد والمؤسسات الجامعية بصفة مؤقتة وعقود محددة الأجل. ويختلف هَذَا النظام عَنْ التعيين الدائم الَّذِي يتم فِيهِ توظيف الأطر بصفة دائمة فِي الوظيفة العمومية. حيث شرعت الحكومة المغربية في تكريس هذا النمط الوظيفي في قطاع التعليم والصحة. كما جاء التأسيس للتوظيف عن طريق التعاقد داخل الوظيفة العمومية بنص المنشور رقم 22 بتاريخ 07/08/1961 الذي أكد على التوظيف عن طريق التعاقد، ويمكن اعتبار هذا المنشور هو الأساس القانوني المحدد لإجراءات التوظيف عن طريق التعاقد في الإدارة العمومية، وقد ميز هذا المنشور بين عقود التوظيف و العقود الوظيفية.
التوجه الحكومي نحو سياسة التوظيف بموجب عقد
بقراءة متأنية للمادة 6 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية يبدو أن التوجه الجديد داخل الإدارة العمومية بدأ ينحو باتجاه تطوير تجربة التعاقد داخلها، و التوجه نحو عقود التشغيل عوض التعاقد بناء على القانون العام، مما سيغير لا محالة من تجربة عقود التوظيف المعمول بها داخل الإدارة أو على الأقل خلق نظام جديد للتعاقد يسمح باستقطاب الأطر المكونة ذات التجربة العالية في تخصص معين وهذا ما يدفع إلى التساؤل عن الماهية القانونية لعقود التشغيل؟ و هل ستكون هذه العقود خاضعة لقانون الشغل؟ و ما هي المحاكم التي ستختص بالفصل في النزاعات التي قد تطرأ عند تنفيذ عقود التشغيل؟ علما أن بعضا من هذه التساؤلات قد يجد له جوابا في المادة 6 مكرر المذكورة أنفا و التي جاء فيها ما يلي: “يمكن للإدارات عند الاقتضاء أن تشغل أعوانا بموجب عقود وفقا الشروط و الكيفيات المحددة بموجب مرسوم” وبالتالي استعمال مصطلح تشغيل عوض توظيف قد يحيل الى قانون الشغل كما إضافة نفس المادة” لا ينتج عن هذا التشغيل في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الإدارة مما يبين أن التجربة الجديدة لعقود التشغيل داخل الادارة لن تسير وفق ما هو معمولا به حاليا.
إشكالية التقاعد في نظام التعاقد
تنص المادة 7 على أن يسـتفيــد المتعاقد من معاش للتقاعد وفقا للنصوص القانونية المحدثة للنظـام الجماعـي لمنح رواتب التقاعـد.
التزامات المتعاقد: تحدد المادة 8 التزامات المتعاقد والتي منها القيام بالواجبـات التي تفرضها المهام المسندة إليه والحفاظ على السريـة المطلقة بالنسبة للأعمال والأخبار والوثائق التي يطلع عليها بحكم مزاولتـه لمهامه سواء أثناء انتدابه للقيام بها أو عنـد انتهاء مدة العقـد، وعـدم ممارسـة أي نشاط لـه مردود مالـي سواء كان ذلـك بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
فسخ العقـد: تنص المادة 9 أنه يمكن فسخ العقد بدون سابق إشعار ودون أي تعويض بعد توقيعه وقبوله أو أثناء تنفيذه وذلك إذا لم يلتحق المتعاقد بمقر عملـه خلال الأجل المحدد له من طرف الإدارة أو إذا تعرض المتعاقد لمحاكمة أدت إلى عقوبـة نهائية من أجـل أسباب مخلـة بالشرف وفي حالة إذا ثبوت أخطاء مهنيـة خطيـرة في حـقـه أو كان يعمل لمصلحة الغير.
تسويــة الخلافــات : تحدد المـادة 10 مسطرة تسوية الخلافـات الناتجـة عـن تنفيذ العقـد و ارجاع البث فيها إلى المحاكـم المغربية المختصـة.
المصادقة على العقد: تنص المادة 11 من العقد أنه لا يجري العمل بهذا العقد إلا بعد المصادقة عليه من طرف مصالح وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة ووزارة الاقتصاد والماليـة.
وعموما يلاحظ ان بنود العقد تحيل عى مجموعة من النصوص القانونية المطبقة على الموظفين النظاميين و تمتيع العون المتعاقد ببعض الامتيازات التي يستفيد منها الموظفون النظاميون مع حرمان المتعاقد من الضمانات التأديبية التي تنص عليها القوانين الجاري بها العمل في الوظيفة العمومية خلال تحريك مسطرة التأديب ضد الموظف.
المسار المهني للمتعاقد:الترقي في الرتبة و الدرجة
وضع المنشور[12] رقم 38-63 بتاريخ 10 شتنبر1963 الأسس الخاصة بالترقية في الرتبة و الدرجة حيث نص على أحقية المتعاقدين في إطار القانون العام في الترقي في الدرجة و الرتبة بناء على النصوص الجاري بها العمل و المطبقة على الموظفين النظاميين.
كما حدد المنشورالصادر عن وزير تحديث القطاعات العامة رقم 09-09 بتاريخ 25 يوليوز 2009 الإجراءات المطبقة على المتعاقدين داخل الإدارة خلال مسارهم المهني معهم يستفيدون من الترقية فقي الدرجة و الإطار اسوة بالموظفين النظاميين طبقا للمرسوم رقم 2.04.403.
نظام التعاقد والتعيين: الفرق فِي الحقوق والواجبات
يوجد فرق کَبِير بَيْنَ نظام التعاقد ونظام التعيين فِي الحقوق والواجبات، حَيْتُ يختلف كل نظام فِيمَا يَتَعَلَّقُ بالحقوق والواجبات الَّتِي يتمتع بِهَا ويتحملها الموظف.
فِي نظام التعاقد، يتم تحديد مُدَّة محددة لفترة التعاقد وما يحق للموظف الحصول عَلَيْهِ من مكافآت وعلاوات وفوائد أُخْرَى، وعادة مَا يحصل الموظف فِي هَذَا النظام عَلَى راتب أقل من الموظف المعين بصفة دائمة، كَمَا أَنَّهُ لَا يتمتع ببعض الحقوق الاجتماعية والتأمينية الَّتِي يحصل عَلَيْهَا الموظف المعين بصفة دائمة، وَلَا يحق لَهُ الترقية فِي العمل إلَّا بعد تجديد عقده.
أَمَّا فِي نظام التعيين، فيتم تحديد حقوق الموظف وواجباته مُنْذُ بداية التعيين، ويتمتع الموظف فِي هَذَا النظام بالحقوق الاجتماعية والتأمينية وحقوق الحصول عَلَى مكافآت وعلاوات، ولديه فرص الترقي فِي العمل والحصول عَلَى رواتب أعلى. كَمَا أن الموظف المعين بصفة دائمة لَهُ واجبات أكثر، مثل الالتزام بمواعيد العمل والمشاركة فِي الاجتماعات والتدريبات والاحتفاظ بسجلات دقيقة للعمل الَّذِي يقوم بِهِ.
بِشَكْل عام، فَإِنَّ نظام التعيين يمنح الموظف حقوق أكثر ويحمله واجبات أكثر، بَيْنَمَا يتميز نظام التعاقد بالمرونة والحرية فِي تحديد فترة التعاقد والراتب المحدد للفترة المحددة، ولكنه يحد من بعض الحقوق والفرص الَّذِي يتمتع بِهَا الموظف المعين بصفة دائمة.