تعريف بيداغوجية الإدماج


تُعد بيداغوجيا الإدماج إطارا منهجيا لأجرأة المقاربة بالكفايات، أي أنها تُقيم ترابطا، من جهة بين التوجهات والاختيارات التي يتبناها نظام تربوي معين، والتي تُترجم إلى خطوات تعليمية أو تعلمية أو تقويمية مناسبة، ومن جهة ثانية بين الممارسات البيداغوجية التي توضحها تلك الخطوات.

إنها مقاربة منهاجية تستحضر المشروع المجتمعي لكل بلد، وتأخذ بعين الاعتبار قيمه المجتمعية، وتُشجع على تبني اختيارات بيداغوجية مناسبة، تعمل على تقديم صيغ تنظيمية للتعلمات والتقويم داخل نظام تربوي، للوصول إلى ملمح التلميذ المنشود. وهي بهذا لا تتدخل في غايات والمحتويات العامة للنظام التربوي، لكون ذلك أشد ارتباطا بالسياسة التربوية لبلد معين. إن دورها شبيه بصنيع المهندس، الذي يصمم مشروع بناء ملبيا اختيارات الزبون، بينما دور المقاول هو إنزال التصميم إلى أرض الواقع.

ما المقصود "ببيداغوجيا الإدماج"؟
 عرف المجلس الأعلى للتربية في كيبك الإدماج بما يلي:"يشير إدماج المعارف إلى السيرورة التي يربط بها المتعلم معارفه السابقة بمعارف جديدة ،فيعيد بالتالي بنينة عالمه الداخلي،ويطبق المعارف التي اكتسبها في وضعيات جديدة ملموسة".  و عرفه – كزافيي روجيرس – بأنه عملية نربط بواسطتها بين العناصر التي كانت منفصلة في البدايـــة ،من أجل تشغيلها وفق هدف معطى.

وجاء في دليل بيداغوجيا الإدماج الصادر عن المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب: الإدماج معناه إقامة علاقات بين التعلمات بهدف التوصل إلى حل وضعيات مركبة، وذلك من خــلال تعبئـــة المعــــارف والمهارات المكتسبة. 

في الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي :الإدماج تنظيم يستهدف تجاوز القطائع التقليدية بيــن التعلمـات و مختلف عناصر المنهاج ،وذلك بإحداث العلاقات فيما بينها.- هو نشاط ديداكتيكي يستهــدف جعــل التلميــذ يحرك مكتسباته التي كانت موضوع تعلمات منفصلة من أجل إعطاء دلالة ومعنى لتلك المكتسبات. و خلاصة القول أن هذه البيداغوجيا تستهدف جعل المتعلم يعبئ مكتسباته و ينظمها، من أجل استخدامها في معالجة وضعيات مركبة، تسمى وضعيات الإدماج.

هل بيداغوجيا الإدماج طريقة بيداغوجية؟
ليست بيداغوجيا الإدماج طريقة بيداغوجية، ولا تنظر نظرة معيارية إلى الطرائق المعتمدة في واقع الممارسة المهنية، ولا تملي على الفاعلين التربويين تبني طرائق بيداغوجية أو تكوينية مخصوصة، وإنما تحرص على احتضان المعمول به، وتحرص في الوقت نفسه على تطويره تدريجيا، كي يرقى إلى مستوى النماذج البيداغوجية (بيداغوجيا التعلم) التي تجعل المتعلم فاعلا حقيقيا، وتستحضر حاجياته ووسائل تعلمه، وتأخذ بعين الاعتبار منطقه وتراعي خطواته التعلمية.

لماذا بيداغوجيا الإدماج، وما هي أسباب النزول؟
إذا كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد راهن على تجديد بيداغوجي قائم على المقاربة بالكفايات، فإن الاعتبارات الموضوعية الداعية إلى تبني بيداغوجيا الإدماج كإطار منهجي لأجرأة المقاربة بالكفايات، تتحدد في مجموعة من الاختلالات، من أهمها:

كلنا نعلم أنه مع مطلع الألفية الجديدة تبنى نظامنا التربوي المغربي المقاربة بالكفايات، إلا أن ذلك لم يرافقه تصور منهجي واضح من خلال دفتر تحملات منهجي ينطلق من تصورات الكتاب الأبيض، و يرسم الملامح العريضة لكيفية الأجرأة والتنفيذ، مما أفرز صعوبات تطبيقية تجلت في عدم قدرة الفاعلين التربويين من أساتذة ومفتشين بصفة خاصة على رسم ملامح منهجية واضحة للاشتغال بالكفايات انطلاقا من جذاذات الدروس اليومية، وصولا إلى التقويم والدعم. غياب الضبط المنهجي هذا فسح المجال أمام الاجتهادات الفردية التي رغم كل الجهود بقيت مبهمة ومعزولة في الزمان والمكان، ولم ترق إلى مستوى التلمس الفعلي لطريقة عملية واضحة لأجرأة التصور النظري الموجود في مقدمات الكتب المدرسية. وقد بات واضحا أن البرامج الدراسية تبنت مقاربة جديدة هي الكفايات لكنها احتفظت بالإجراءات المنهجية القديمة بكل أشكالها تقديما وتقويما ودعما، فكان تقرير المجلس الأعلى الأول لسنة 2008 الذي أشار إلى أن برامجنا التعليمية تتبنى المقاربة بالكفايات نظريا ولكنها لم تتمكن من إيجاد آليات وصيغ لأجرأتها على مستوى الممارسة الفصلية وفي الكتب المدرسية.

- أن المكتسبات التي يحصل عليها المتعلم داخل المدرسة المغربية لا تُتيح له الاندماج داخل محيط سوسيو اقتصادي يزداد تعقيدا، مما يترتب عن ذلك تكوين فرد معزول ذهنيا عن واقعه.
- أن الفرق بين المتعلمين المتعثرين والنجباء من حيث التعلمات الأساس يزداد اتساعا.
- أن هناك ارتفاعا في عدد المتسربين أو المنقطعين عن الدراسة.

شيوع "الأمية الوظيفية" في صفوف المتخرجين من المدرسة، حيث يعجزون عن توظيف تعلماتهم في الحياة العامة، أو المهنية. تركيز المدرسة على المعارف المُجزأة والمهارات البسيطة، وعدم سعيها إلى جعل المتعلم يواجه وضعيات مركبة، شبيهة بما يمكن أن يصادفه في الحياة العامة.

 خصائص بيداغوجية الإدماج
  • إنه نشاط يكون فيه التلميذ فاعلا.
  • هو نشاط يقود التلميذ إلى تعبئة مجموعة من الموارد واستثمارها في حل وضعية – مشكلة دالة.
  • هو نشاط موجه نحو كفاية أو نحو هدف إدماج نهائي.
  • إنه نشاط ذو معنى، فهو ينبني على استثمار وضعيات دالة...
  • إنه نشاط متمفصل حول وضعية جديدة.

مختلف أنواع بيداغوجية الإدماج
- إدماج التعلمات :وهي عملية تروم تصريف مختلف المواد الدراسية من جهة ،و المهارات التي تساهم في تربية الأفراد من جهة أخرى . إدماج التعلمات =إدماج المواد+إدماج المهارات
- ادماج الفرد لمحتويات و مهارات جديدة في بنيته الداخلية.
- إدماج مختلف تعلمات وحدة معرفية بمنظور شامل ،اعتمادا على انسجام تام للمعارف.
- الإدماج كوضعية بيداغوجية ،وهنا يمكن الحديث عن "التفريد"،أي أن كل مكون مـن مكونــات الوضعيــة البيداغوجية يدمج بذاته،مثلا: إدماج الأفراد-المواضيع-الموارد البشرية-إدماج الوسط ....
- إدماج المهارات :عملية تتوخى تصريف مهارتين أو أكثر تنتميان إلى نفس المجال النمائي أو إلى مجالات أخرى خاصة بالتعلم نفسه.
- إدماج المواد:تصريف محتويين أو أكثر قصد حل مشكل معين أو دراسة محور معين لهدف تنمية مهارة ما.

وضعيات إدماج المكتسبات:
- وضعية حل المشكلات: وهي وضعية استكشافية كتتويج لمجموعة من التعلمات.
- وضعيات التواصل وهي نشاط إدماج مرتبط بالتعلمات المرتبطة باللغات.
- وضعية مهمة معقدة: تنجز في سياق معطى، ويكون الإدماج ذو طابع اجتماعي (حملة تعبئة اجتماعية لحماية البيئة مثلا)
- وضعية إنتاج حول موضوع معين: إنجاز عمل شخصي مركب يستهدف إدماج عدد من المكتسبات.
- وضعية زيارة ميدانية: ولكن لابد أن يتحدد معناها وأن تكون وظيفتها إنتاج فرضيات أو فحص نظــرية ما.
- وضعية أعمال تطبيقية مختبرية لابد أن تحرك نشاط التلميذ وتفرض استخدام طريقة علمية (الملاحظـــة، الافتراض، التجريب..)
- وضعية ابتكار عمل فني: وهذا إدماج يرتبط بالإبداع ويجب أن يكون إبداعا حقيقيا.
- وضعية تدريب عملي: وهي وضعية الدمج الذي يصل بين النظرية والتطبيق، أي أن يربط المتعلم بين ما يعيشه، وما يتعلمه، وما يستعمله، وقد يكون التدريب في بداية التعلم أو نهايته.
- وضعية المشروع البيداغوجي: مشروع القسم شريطة أن يكون التلاميذ فاعلين في المشروع.

مواضيع ذات صلة
علوم التربية

أنشر الموضوع مع أصدقائك

التعليقات
0 التعليقات

Aucun commentaire: