آفاق إصلاح التعليم العالي مع إمكانية التراجع عن نظام البكالوريوس


بعد الرأي الَّذِي أصدره المجلس الأَعْلَى للتربية والتَّكْوين وَالبَحْث العلمي حول نظام البكالوريوس، وَالَّذِي اعتبر فِيهِ أَنَّهُ يفتقر إِلَى تصور يوضح الرؤية والغاية مِنْهُ، أصبحت علامات استفهام تطرح حول مصير هَذَا النظام.

وَكَانَ نظام البكالوريوس، الَّذِي أعد خِلَالَ الحكومة السابقة وتأخر العمل بِهِ، قَد أثار ردود فعل متباينة، بَيْنَ من اعتبر أَنَّهُ سيحسن جودة التَّعْلِيم بالجامعة المغربية، وبين من انتقده، معتبرا أن الشروط غير متوفرة لتطبيقه.

فِي هَذَا الحِوَار مَعَ موقع متمدرس، يتحدث محمد الدرويش، رَئِيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتَّكْوين، عَنْ رأيه حول مصير نظام البكالوريوس بعد رأي المجلس الأَعْلَى للتربية والتَّكْوين، مشيرا إِلَى أَنَّ التراجع عَنْ هَذَا النظام وارد.– برأيك، مَا مصير نظام البكالوريوس بعد رأي المجلس الأَعْلَى للتربية والتَّكْوين وَالبَحْث العلمي؟ هل يُحتمل أن يتم التراجع عَنْ اعتماده؟.

أعتقد أَنَّهُ انطلاقا من مجموعة من المُعْطَيات الَّتِي رافقت الإعلان والإعداد لمشروع “الباشلور” مُنْذُ سنة 2018، مرورا باللقاءين التحضيريين بمراكش وسلا، ومجموع البلاغات والمذكرات والتصريحات الَّتِي صدرت عَنْ قطاع التَّعْلِيم العالي وَالبَحْث العلمي فِي الحكومة السابقة، واستنادا إِلَى آراء ومواقف مجموعة من المؤسسات الدستورية والاجتماعية والمدنية، آخرها الرأي الَّذِي صدر عَنْ المجلس الأَعْلَى للتربية والتَّكْوين وَالبَحْث العلمي، جوابا عَنْ طلب الرأي الَّذِي تقدم بِهِ رَئِيس الحكومة السابق يوم 13 شتنبر 2021، فَإِنَّ احتمال التراجع عَنْ هَذَا المشروع وارد.

لَقَدْ استند المجلس الأَعْلَى للتربية والتَّكْوين فِي رأيه عَلَى الخطب الملكية، ومقتضيات الرؤية الاستراتيجية 2015- 2030، وأحكام القانون إلَّإطار 17- 51، وتوصيات اللجنة الخَاصَّة بالنموذج التنموي، ونتائج دراسات المندوبية السامية للتخطيط بخصوص إدماج خريجي التَّعْلِيم العالي فِي سوق الشغل، والدراسات والأبحاث الَّتِي قَامَتْ بِهَا الهيئة الوَطَنِية للتقييم لَدَى المجلس، علاوة عَلَى مَا راكمه مُنْذُ تأسيسه من نتائج لقاءات ودراسات وطنية ودولية فِي الموضوع.

وباستحضار رأي المجلس الأَعْلَى للتربية والتَّكْوين، وما عبر عَنْهُ من ملاحظات عامة وَخَاصَّةً عَلَى صَفَحَات الرأي من 7 إِلَى 15 مِنْهُ، واستحضارا لآراء هيئات أُخْرَى، مِنْهَا رأي المرصد الوطني لمنظومة التربية والتَّكْوين فِي مجموعة من القضايا وإشكالات منظومة التربية والتَّكْوين عموما، وَالتَعْلِيم العالي وَالبَحْث العلمي خُصُوصًا، وما عبرت عَنْهُ جهات أُخْرَى مؤسساتية أَوْ أفراد، ثمة احتمال کَبِير فِي تراجع الحكومة عموما، ووزارة التَّعْلِيم العالي وَالبَحْث العلمي والابتكار خُصُوصًا، ومجالس الجامعات والمؤسسات عَلَى وجه أخص، عَنْ النظام البيداغوجي الجديد “الباشلور”، والاحتفاظ فَقَطْ بالنظام الحالي 3 و5 و8.

وَإِذَا حدث ذَلِكَ سيكون، فِي اعتقادي، نتيجة طبيعية للتسرع غير المفهوم للوزارة فِي الحكومة السابقة فِي إنزال مشروع نظام “الباشلور” دون توفر الحد إلَّأدنى لِضَمَانِ نجاحه، من موارد مالية وبشرية، واستشارات واسعة مَعَ مكونات التَّعْلِيم العالي، وأقصد الأساتذة والإداريين والطلاب، وَكَذَا تجاوبا مَعَ آراء المؤسسات الدستورية والاجتماعية والمدنية والهياكل الجامعية، الَّتِي عبرت صراحة عَنْ ملاحظاتها ومؤاخذاتها إزاء المشروع.إذا تمَّ التراجع عَنْ “الباشلور”، ماذا سيكون مصير الطلبة اللَّذِينَ تسجلوا فِي وحداته؟.

أعتقد أَنَّ كُلَّ المؤشرات تحيل عَلَى ضرورة عدم المضي فِي تَطْبِيق نظام “الباشلور” كَمَا قلت سلفا، أي التراجع عَنْ المشروع فِي الصيغة الَّتِي تمَّ اعتمادها من قبل عشر جامعات، فِي حين لَمْ يطبق سوى فِي جامعتين، هُمَا جامعة ابن طفيل وجامعة سيدي محمد بن عبد الله، بِسَبَبِ رفض الأساتذة الباحثين لِهَذَا المشروع، نظرا لعدم وضوح الرؤية فِي إعداده، وعدم إشراكهم فِي ذَلِكَ، وكَذَلِكَ عدم صدور النصوص التشريعية المؤطرة لَهُ.

وَإِذَا استحضرنا أن أعداد الطلاب المسجلين اليوم فِي هَذَا النظام تقارب 23500 طالب وطالبة، موزعين عَلَى 165 وحدة تكوين تقريبا، وَهُوَ رقم ضعيف جدا إِذَا قورن بِعَدَدٍ طلاب التَّعْلِيم العالي اليوم، الَّذِي يقارب مليونا و300 ألف طالب، وَحَتَّى لَا تتحمل الوزارة والجامعات مسؤولية ضياع وتيه هُؤَلاء الطلاب “الباشلوريين” قبل فوات الأوان، أي قبل انتقالهم إِلَى الأسدوس الآخر، فَإِنَّ التراجع يفرض نفسه بقوة، وطي صفحة هَذَا المشروع، وهذا أمر لَا ينتظر إ لَا القرار السياسي للحكومة عموما، وقرار وَزِير التَّعْلِيم العالي وَالبَحْث العلمي والابتكار، وبعده سَيَتِمُ تصريف القرارات البيداغوجية والإدارية من قبل مجالس الجامعات والمؤسسات والرؤساء والعمداء والمدراء واللجان البيداغوجية.– فِي ظل هَذَا الارتباك، مَا هُوَ، برأيك، الحل لتجويد منظومة التَّعْلِيم العالي؟.

هُنَاكَ حلول متعددة ومتكاملة ومتداخلة لتجويد منظومة التَّعْلِيم العالي، يمكن تلخيصها فِي فتح ورش مراجعة بعض نواقص النظام البيداغوجي الحالي (إجازة، ماستر، دكتوراه)، مَعَ إحداث درجة داخلية فِي هندسته ومضمونه، تعليما وبحثا وابتكارا وتدبيرا وتسييرا، مَعَ إشراك فعلي وحقيقي للأساتذة الباحثين بِكُلِّ الجامعات والمدن الجامعية ومؤسسات التَّعْلِيم العالي غير التابعة للجامعات.

موازاة مَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ التفكير الدقيق فِي تقوية الجوانب اللغوية والكفايات الذاتية والحياتية، وتعزيز وحدات الانفتاح لَدَى الطلاب، بِتَنْسِيقٍ تام ومحكم بَيْنَ التَّعْلِيم العالي وَالتَعْلِيم المدرسي، خُصُوصًا بَيْنَ الثانوي التأهيلي وسنوات الإجازة، عِلْمًا أَنَّ الورش الأهم فِي مسار حياة المتعلمين بِهَذَا الخصوص يَجِبُ أن ينطلق أساسا من مُسْتَوَى التَّعْلِيم الأولي.

فخلال مرحلة التَّعْلِيم الأولي تتقوى الملكات والقدرات اللغوية وغيرها لَدَى إلَّأطفال، ومعنى هَذَا أن اشتغال الحكومة عَلَى هَذَا الجانب يَجِبُ أن يكون بسرعتين متوازيتين، واحدة مُنْذُ الطفولة المبكرة، وأخرى فِي سنوات الانتقال من التَّعْلِيم الثانوي إِلَى العالي.

ثمة جانب آخر عَلَى درجة من الأهمية، هُوَ المراجعة الشاملة للقانون 01-00، الَّذِي أضحى غريبا عَنْ التَّعْلِيم العالي، مِنْ خِلَالِ مجموعة من الممارسات الَّتِي زكتها الوزارة الوصية خِلَالَ العشر سنوات الماضية، وَتَمَّ عبرها تعطيل المقتضيات القانونية لِهَذَا القانون، مثل أدوار الرؤساء وشبكات العمداء والمدراء، وإحداث مهام غير منصوص عَلَيْهَا فِي القانون، من قبيل الوسيط وشياع القرار المركزي، فِي ضرب شامل لاستقلالية الجامعات والمؤسسات.– وماذا عَنْ دور الأساتذة فِي ورش إصلاح منظومة التَّعْلِيم العالي؟.

استكمالا لما قلت قبل قليل، يَجِبُ استعجال إعادة الاعتبار لمهنة الأستاذ الباحث، نظاميا ومجتمعيا، مِنْ خِلَالِ المكانة الَّتِي يستحقها، مَعَ الحرص كل الحرص عَلَى تحصين الأدوار الأساسية لِلتَّعْلِيمِ العالي، والمتمثلة فِي التكوين والتأطير وَالبَحْث، وإعداد النخب المواطنة، وتفادي تحويله إِلَى مؤسسات مهنية صرفة.

لَا بد كذلك من الابتعاد عَنْ منطق جعل الأستاذ الباحث مُعلما للمهارات الذاتية والحياتية واللغوية للطلاب عَلَى حساب دوره الأساس هُنَاكَ أيضًا أمر مهم يرتبط بقضية ربط المسؤولية بالمحاسبة وتفعيل مقتضيات الحكامة، فمن غير المعقول وَلَا المقبول أن يتم تدبير مرفق عمومي سنوات دون تَقْدِيم الحساب. كَمَا أن مراجعة طرق تعيين الرؤساء والعمداء والمدراء أمر يفرض نفسه وَلَا يقبل أي تأجيل، فقد أثبتت السنوات أن عمليات اختيار هَؤُلَاءِ المسؤولين فِي مجموعة كبيرة من المواقع مَا هِيَ إلَّا مسرحيات سيئة الإخراج أدَّتْ إِلَى كوارث كبرى فِي التسيير والتدبير، وانحراف عَنْ الأدوار الأساس الملقاة عَلَى عاتق مجموعة مِنْهُمْ.هَذَا الواقع جعل مجموعة كبيرة من الأساتذة الباحثين يدعون إِلَى العودة إِلَى النظام القديم فِي التعيين فِي المناصب العُلْيَا تفاديا لِغِيَابِ الموضوعية والزبونية والمحسوبية فِي الاختيار.

إضافة إِلَى ذَلِكَ، لَا بُدَّ مِنْ تَوْفِير الشروط المادية والأدبية لعمليات التَّعْلِيم وَالبَحْث لَدَى الأساتذة والطلاب، مَعَ الاهتمام بقضاياهم الاجتماعية، وإيلاء الوضعيات الإدارية لموظفي ومستخدمي التَّعْلِيم العالي أهمية بالغة حَتَّى يساهم ذَلِكَ فِي ضمان الاستقرار فِي المنظومة، مَعَ ضرورة مراجعة ضوابط المساطر المالية، وجعل الجامعات مُسْتَقِلَّة حقيقة، استقلالا إداريا وبيداغوجيا وماليا، وَهُوَ مَا يجسد بالفعل مقتضيات اللامركزية واللاتمركز بانسجام تام مَعَ منطق الجهوية المتقدمة، وتوفير شروط وظروف البحث العلمي المنتج للطاقات، والمساهم فِي تطوير منظومتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

مواضيع ذات صلة
التعليم العالي, مقالات

أنشر الموضوع مع أصدقائك

التعليقات
0 التعليقات

Aucun commentaire: